تمثال أم هاشم: في الحلة المدني من يصنع المدينة لا من يسكنها
ناصر الحجاج
رغم أنه لم يعد موجوداً إلا أن العديد من أبناء مدينة الحلة لا يزالون
يتذكرون واحدا من أبرز النصب في مدينتهم الفيحاء تمثال "الأم" أو كما
اعتادوا أن يسمونه تمثال "أم هاشم"، والتسمية الأخيرة جاءت عفوية شعبية
أطلقها الحليون تخليدا لمحافظ الحلة (بابل) المرحوم هاشم قدوري الذي كان
من المحافظين النادرين الذين تسنموا منصب المحافظ فقدموا خدمات جليلة
للمحافظة وتركوا آثاراً طيبة في مدينة الحلة، وهو ما يؤكد أن الإرادة
الشعبية أقوى من الإرادة الرسمية فقد ترسخ اسم "أم هاشم" في الذاكرة
الشعبية كما ترسخت ـ مثلا ـ تسمية "جسر الهنود" بالجسر الذي أنشأته شركة
هندية في مدينة الحلة خلال الثمانينات على الرغم من تسميته الرسمية بجسر
سعد بن أبي وقاص.
صيغ تمثال "الأم" بشكل فيه الكثير من الشموخ عام 1975 من مادة الأسمنت
الابيض بارتفاع 6 أمتار، مقاما على قاعدة عرضها 4 أمتار، أما واجهة
التمثال فتبلغ متراً ونصف المتر، وساهم في هذا العمل الفني كل من الفنانين
الراحلين سلمان داود وشاكر نعمة، فضلاً عن فنانين تشكيليين آخرين.
بدأ الفنانون عملهم على هذا التمثال في ساحة معهد المعلمين القريب من
الموقع آنذاك، ثم تم اختيار مفترق طرق منطقة باب المشهد (نسبة لمشهد ضريح
الإمام علي ع في النجف) وسط حديقة عامة زادت من جمال التمثال، بما يتناسب
والهدف الذي أقيم من أجله النصب وهو تكريم الأم العراقية، باعتبارها رمزا
للحب والعطاء الذي لا ينضب.
مع أن التقاطع الذي أختير للنصب كان يسمى تقاطع الشاوي، إلا أن أهمية
تمثال الأم دفعت عامة الناس إلى تسمية التقاطع باسم "تقاطع الأم" أو ساحة
الأم وبقيت التسمية ملاصقة له حتى يومنا هذا، على الرغم من إزالة التمثال
أواخر ثمانينات القرن الماضي في ظروف الحرب العراقية الإيرانية بعد أن عمد
النظام السابق إلى تغيير تصميم شوارع المنطقة. وقد وضع في التسعينات
"بديلاً" لتمثال الأم من عمل الفنان عامر خليل يقع في مدخل شارع اربعين من
جهة منطقة الاسكان مصنوع من الحجر ولكن بزيادة طفل آخر يتناسب مع الزيادة
السكانية للعراق.
لقد كان على الحكومة العراقية آنذاك أن تقوم بنقل التمثال ووضعه في
مكان آخر، بعد أن صارت له دلالاته التي تشكل هوية المكان، إلا أن ظروف
الحرب لم تدع لمثل ذلك الحرص على الهوية الوطنية مجالا، ناهيك عن أن
المدنيين هم من يصنع المدينة لا من يسكنها.
لا يزال ابناء الحلة يتذكرون التمثال، ويذكرون التعليق الفكاهي للشاعر
الحلي الظريف الملا محمد علي القصاب بعد أن تأمل موقع التمثال وتساءل بروح
النكتة: "ليش ياهاشم تنطي وجه الوالدة للنجفيين، وقفاها للحلة "أحنا
ناقصين شبهة"

إرسال تعليق