0
العراق يفقد طاقته الشبابية : خارطة حلم محفوفة بالمخاطر من تركيا الى اوربا 





بغداد/.. "من تركيا الى اليونان وبلغاريا , ومن ثم باقي الدول الاوروبية" وأخيرا بات للاحلام "خريطة" , هذا ما بات عليه لسان حال الوف الشباب هذه الايام , كفرصة للخلاص من الواقع الذي المتردي الذي يمر به العراق , حتى صار حديث الشارع اينما حللت وارتحلت , فمنهم من يشرح طريقة الذهاب مرورا بالغابات والمياه كما لو انه عاشها عدة مرات , ومنهم من يفصّل الاسعار بين يخت وزورق صغير أو سيرا على الاقدام , وكل بحسب كمية المال المتوفرة لديه.

و تناقلت مواقع التواصل الاجتماعي اشرطة فيديو وصور تكاد تكون لهجرة "جماعية" لا غيرها , تمثل حال الهجرة على ابواب الدول الاوربية. كل ذلك , زيّن الحلم أمام علي صاحب الـ 23 عاما , ليحزم حقيبتة تاركا كل شيء خلفه , بما في ذلك الاصدقاء والأهل , قبل ان تحط اقدامه في ارض المانيا , أرض بسمارك وفاغنر ونيتشه , مصاحبا جدرانها وساحاتها , بعد رحلة شاقة تخللها السير على الاقدام لساعات متواصلة , والهرب من حرس الحدود عن طريق الغابات , والانهار , ليعلنها صراحة "أنا في المانيا , أذكر اسمي , فلا شيء مخيف هنا".

ويقول (الألماني الجديد) علي انه " كان يتوقع ان يكون الطريق أطول من رحلة يومين , لكن المهرّب كان يعرف الطريق جيدا , وبعلاقاته الواسعة , استطاع ان يوصلني الى النمسا , قبل ان يتركني اشق الطريق بنفسي" , ودون ان يبدي رغبة بالعودة مستقبلا , أضاف ان " الحياة هنا أجمل , كل شيء متوفر لدي الآن , وسأستقر في ألمانيا". وتشهد دول أوروبا موجة هجرة "غير شرعية" , كبيرة , منذ بداية انتشار التنظيمات الارهابية في المنطقة , واعلانها الحرب على الاخضر واليابس , حتى دعت عدة دول في الاتحاد الاوروبي الى وضع خطة للتعامل مع المهاجرين , وبما في ذلك ألمانيا نفسها , التي قالت على لسان وزير خارجيتها "انها ستستقبل 800 ألف مهاجر العام المقبل وهو ما يزيد عن طاقتها " , داعية باقي الدول الى "تحمل جزء من المسؤولية ".

وهاجر علي برفقة 50 شخصا من مختلف الجنسيات , في زورق معد لما لا يزيد عن 15 راكبا , عن طريق (بحر مارمارا) , ليدخل اليونان التي لم يبق بها سوى ساعات , وتوجه بعدها الى بلغاريا , وهو يتواصل مع أهله عن طريق الشبكة العنكبوتية واصفا محطات الرحلة , بكل تفاصيلها , بما في ذلك تعامل عناصر القوات الامنية معهم , الذين لم يعيروا اهتماما لملابسهم المتسخة بما يشير الى دخولهم غيرالشرعي , مكتفين بالابتسام , كناية عن عدم جدوى "تحرشهم" هذا , لانهم لن يعتقلوهم .

وتختلف أسباب الهجرة بين مهاجر وآخر , منها الاقتصادية والاجتماعية , حيث يتم الاستفسار عن الدول التي توفر أكثر فرص عمل ممكنة , حيث يزدهر سوق الهجرة الى بلجيكا , الى جانب المانيا التي توفر سكنا مع راتب شهري بقيمة 300 يورو شهريا , لكنه تحد المهاجر بمسافة لا يعبر حدودها , خلال الاشهر الست الاولى من اقامته , وغالبا ما تكون مدينة واحدة .

وانتشرت على موقع فيسبوك صفحات للمهاجرين الذين عبروا الحدود وصولا الى اوروبا لتقديم النصائح , لعل ابرزها "ان لا يهاجر احد في الشهر الثامن , لانه مدة هياج البحر" , بالاضافة الى طريقة التنقّل , وركوب الميترو , واقل السبل تكلفة , في حين ينصح آخرون بعدم الهجرة بتاتا , بعد عدم تقبلهم للسفر , وهو ما يخضع لعوامل نفسية واقتصادية تختلف من مهاجر الى آخر .

و حذر عضو هيئة رئاسة مجلس النواب همام حمودي من "إتساع ظاهرة الهجرة بين الشباب العراقي، داعياً إلى ضرورة إعداد برامج تمنع انخراطهم في الجماعات الارهابية " , وذلك بمناسبة اليوم العالمي للشباب , أما الباحث الاجتماعي عبد الواحد عطا الله فقد ركّز على العاملين الاقتصادي , والنفسي في الهجرة.

ويقول عطا الله , ان " الشعور بالفشل هو السبب الرئيس للهجرة , حيث يشعر اغلب الشباب بالفشل في ظل عدم توفر فرص عمل كافية , مما يضطره للبحث عن عمل يوفر سبل العيش الكريم " , داعيا الحكومة الى " رسم خريطة لمستقبل الشاب في بناء البلد , خصوصا وانه يبنى بقدرتهم , وامكانياتهم في تطوير المجالات الزراعية والصناعية وغيرها توفير فرص عمل , قبل ان يهاجر الشاب ليجد نفسه أمام واقع غير ما صوّر له , فينتهي به الأمر بالعودة أو بالاستمرار كعامل في المطاعم في بلدان يصعب بها التواصل قبل مرور مدة طويلة تتخللها عمليات تعلم اللغة والاندماج في مجتمع يختلف كليا عن مجتمعه السابق".

كما وشهدت عمليات الهجرة عدة حوادث موت جماعي , وغرق , غالبا ما تنتهي بفتح تحقيق , فيما سجن القضاء الايطالي مهربا تونسيا ساهم بهجرة أكثر من 60 شخصا غرق 40 منهم , بتهمة القتل غير المتعمد , في الوقت الذي ينتشر فيه الصحفيون على الابواب لالتقاط الصور النادرة , التي تصور البؤس كعملية فنية أو توثيقية , لما آل اليه الوضع الانساني في الشرق الاوسط .

وتشير الاحصاءات الى ان اكثر الدول هجرة هي (سوريا والعراق وافغانستان) , وذلك بفعل الحرب بين الجماعات الارهابية والقوات الحكومية. وسواء حالف الحظ المهاجر ليصل الى غايته , أم لا , فانها هجرة المحرك الاول لأي مجتمع من المجتمعات , والتي قد سبقتها ما يعرف "بهجرة العقول" , ما يبشر بمستقبل بلا "عقل ولا طاقة" قد يسهم تدريجيا بانحدار الحياة الى ادنى درجاتها , فيما لو لم يتم توفير الحلول اللازمة لايقاف الضاهرة المذكورة , وبحلول جذرية , تقتلع الحلم بالهجرة من داخل نفس الشاب العراقي , الذي لم يترك بقعة في المعمورة الا وترك فيها بصمة , لاجئا كان , أو مهاجرا .

من حسين العطية

إرسال تعليق

 
Top